كتاب: مناسك الحج والعمرة 7-7
طواف الوداع والأخطاء فيه
ثبت في ”الصحيحين” عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
(أُمر الناس أن يكونَ آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض).
كتاب: مناسك الحج والعمرة 7-7
وفي لفظٍ لمسلم عنه قال: كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال النبي ـ
صلى الله عليه وسلّم ـ : (لا ينفرنَّ أحدٌ حتى يكون آخرَ عهده بالبيتِ).
ورواه أبو داود بلفظ: (حتى يكونَ آخرَ عهده الطوافُ بالبيت).
وفي ”الصحيحين” عن أُم سلمة رضي الله عنها قالت:
(شكوتُ إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ أني أشتكي، فقال:
(طُوفي من وراء الناس وأنتِ راكبةٌ)، فَطُفتُ ورسول الله ـ صلى
الله عليه وسلّم ـ يُصلي إلى جنب البيت وهو يقرأ بالطور وكتاب مسطور).
وللنسائي عنها أنها قالت: (يا رسول الله، والله ما طُفتُ طوافَ الخروجِ فقال:
(إذا أُقيمت الصلاةُ فطوفي على بعيرك من وراء الناس).
وفي (صحيح البخاري) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه
وسلّم ـ صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم رقد رَقدَةً بالمُحَصب
ثم ركب إلى البيت فطاف به.
وفي (الصحيحين) عن عائشة رضي الله عنها أن صفية رضي الله عنها حاضت بعد
طوافِ الإفاضة فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ : (أحابِسَتُنا هي؟)
قالوا: إنها قد أفاضت وطافت بالبيت، قال: (فلتنفر إذن).
وفي ”الموطأ” عن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه قال:
(لا يَصدُرن أحدٌ من الحج حتى يطوف بالبيت، فإن آخرَ النسكِ الطوافُ بالبيت).
وفيه عن يحيى بن سعيد أنّ عمرَ رضي الله عنه رَدّ رجلًا مِن مرِّ الظهران لم يكن وَدّع البيتَ حتى ودّع.
كتاب: مناسك الحج والعمرة 7-7
والخطأ الذي يرتكبه بعضُ الناس هنا:
1 ـ نزولهم من منى يوم النفر قبل رمي الجمرات، فيطوفوا للوداع ثم يَرجعوا إلى منى
فيرموا الجمرات، ثم يُسافروا إلى بلادهم من هناك.
وهذا لا يجوز، لأنه مخالف لأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ أن يكون آخرَ عهدِ الحاجّ بالبيت،
فإن من رمى بعد طواف الوداع فقد جعل آخرَ عهده بالجمار لا بالبيتِ، ولأن النبي ـ صلى الله
عليه وسلّم ـ لم يَطُف للوداع إلا عند خروجه حين استكمل جميعَ مناسكِ الحج، وقد قال:
(خُذوا عني مناسككم).
وأثرُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه صريحٌ في أن الطواف بالبيت آخرُ النسك، فمن طافَ للوداع
ثم رمى بعده فطوافه غيرُ مجزئ لوقوعه في غير مَحَلِّه، فيجبُ عليه إعادتُه بعد الرمي، فإن لم
يُعد كان حُكمُه حُكم مَن تركه.
2 ـ مُكثهم بمكة بعد طواف الوداع، فلا يكونُ آخرَ عهدهم بالبيت وهذا خلاف ما أمر به النبي ـ صلى
الله عليه وسلّم ـ وبينه لأُمته بفعله، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ أمرَ أن يكون آخرَ عهدِ الحاج
بالبيت، ولم يَطُف للوداع إلا عند خروجه، وهكذا فعل أصحابه، ولكن رخّص أهلُ العلم في الإقامةِ
بعد طوافِ الوداع للحاجةِ إذا كانت عارضةً، كما لو أُقيمت الصلاة بعد طوافه للوداع فصلاها، أو
حضرت جنازةٌ فصلى عليها أو كان له حاجةٌ تتعلق بسفره كشراء متاعٍ وانتظار رفقةٍ ونحو ذلك.
فمن أقام بعد طواف الوداع إقامةً غيرَ مرخصٍ فيها وجبت عليه إعادتهُ.
3 ـ خروجهم من المسجد بعد طواف الوداعٍ على أقفيتهم يزعمون بذلك تعظيم الكعبة، وهذا خلافُ
السنة، بل هو من البدع التي حذَّرنا منها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ وقال فيها: (كل بدعةٍ ضلالة).
والبدعة: كل ما أُحدث من عقيدة أو عبادةٍ على خلافِ ما كان عليه رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ
وخُلفاؤه الراشدون، فهل يظنُّ هذا الراجعُ على قفاه تعظيمًا للكعبة على زعمهِ أنه أشدُّ تعظيما لها
من رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ أو يظنّ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ لم يكن يعلمُ أنّ
في ذلك تعظيمًا لها، لا هو ولا خُلفاؤه الراشدون؟!!
4 ـ التفاتهم إلى الكعبة عند باب المسجد بعد انتهائهم من طواف الوداع ودعاؤهم هناك كالمودعين
للكعبة، وهذا من البدع لأنه لم يرد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ ولا عن خُلفائه الراشدين، وكل
ما قُصد به التعبُّد لله تعالى وهو مما لم يَردْ به الشرعُ فهو باطلٌ مردودٌ على صاحبه، لقول النبي ـ
صلى الله عليه وسلّم ـ : (من أحدثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَد)، أي: مردودٌ على صاحبه.
كتاب: مناسك الحج والعمرة 7-7
فالواجب على المؤمن بالله ورسوله أن يكونَ في عباداته مُتبعـًا لما جاء عن رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلّم ـ فيها لينال بذلك محبة الله ومغفرته، كما قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 31].
واتباعُ النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ كما يكونُ في مفعولاته يكونُ كذلك في متروكاته.
فمتى وُجد مقتضى الفعل في عهده ولم يفعله كان ذلك دليلًا على أن السنة والشريعة تركه،
فلا يجوز إحداثهُ في دين الله تعالى، ولو أحبه الإنسان وهواه.
قال الله تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم
بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ} [المؤمنون: 71].
وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ : (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به).
نسألُ الله أن يهدينا صراطَه المستقيم، وأن لا يُزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهبَ لنا منه رحمةً إنه هو الوهاب.
إرسال تعليقك عن طريق :