كتاب: مناسك الحج والعمرة 6
الفصل السادس: في صفة العمرة
العمرةُ إحرامٌ وطوافٌ وسعيٌ وحلقٌ أو تقصيرٌ.
فأما الإحرامُ فهو نية الدخول في النسك والتلبس به. والسنة لمريده أن يغتسل كما يغتسل
للجنابة، ويتطيب بأطيب ما يجد في رأسه ولحيته بدهن عودٍ أو غيره، ولا يضرهُ بقاؤه بعد
الإحرامِ لما في ”الصحيحين” من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي ـ صلى الله
عليه وسلّم ـ إذا أراد أن يُحرم تطيب بأطيب ما يجد، ثم أرى وبيص المسكِ في رأسِه ولحيته
بعد ذلك).
كتاب: مناسك الحج والعمرة 6
والاغتسال عند الإحرام سُنَّةٌ في حق الرجال والنساء، حتى المرأة الحائض والنفساء، لأن النبي
ـ صلى الله عليه وسلّم ـ أمر أسماء بنت عُميس حين ولدت محمد بن أبي بكر في ذي الحليفة
في حَجّة الوداع أمرها فقال: (اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي) رواه مسلم من حديث جابر
رضي الله عنه.
ثم بعد الاغتسال والتطيب يلبس ثياب الإحرام، وهي للرجال إزارٌ ورداء، وأما المرأة فتلبس
ما شاءت من الثياب غير أن لا تتبرج بزينة، ولا تنتقب ولا تلبس القفازين وتغطي وجهها عند
الرجال غير المحارم.
ثم يُصلي غير الحائض والنفساء صلاةَ الفريضة إن كان في وقت فريضة، وإلا صلى ركعتين
ينوي بهما سُنَّة الوضوء.
فإذا فرغ من الصلاة أحرمَ، وقالَ لبيك عمرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن
الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
هذه تلبية النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ وربما زاد: لبيك إلـه الحق لبيك.
والسنة للرجال رفع الصوت بالتلبية لحديث السائب ابن خلاد رضي الله عنه أن النبي ـ صلى
الله عليه وسلّم ـ قال: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يَرفعوا أصواتهم بالإهلال
والتلبية) أخرجه الخمسة.
ولأن رفع الصوت بها إظهارٌ لشعائر الله وإعلانٌ بالتوحيد.
وأما المرأة فلا ترفع صوتها بالتلبية ولا غيرها من الذكر لأن المطلوب في حقها التستر.
ومعنى قول الملبي: لبيك اللهم لبيك، أي: إجابةً لك يا رب، وإقامةً على طاعتك، لأن الله سبحانه
دعا عباده إلى الحج على لسان الخليلين إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ
بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ
فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 27: 28].
كتاب: مناسك الحج والعمرة 6
وإذا كان من يريد الإحرام خائفًا من عائق يمنعه من إتمام نُسكهِ؛ من مرض أو غيره، فإنه يُسن أن
يشترط عن نية الإحرام، فيقول عند عقده: (إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني)، أي: إن منعني
مانعٌ من إتمام نُسكي من مرض أو تأخرٍ أو غيرهما، فإني أحلُّ بذلك من إحرامي، لأن النبي ـ صلى
الله عليه وسلّم ـ دخل على ضباعة بنت الزبير فقال: (لعلك أردت الحج؟) فقالت: والله ما أجدني
إلا وَجعة، قال: (حجي واشترطي، وقولي: اللهم مَحلي حيث حَبَستني، وقال: إن لك على ربك ما
استثنيتِ) حديث صحيح.
وأما من لا يخاف من عائق يمنعه من إتمام نُسكه فلا ينبغي له أن يشترط، لأن النبي ـ صلى الله عليه
وسلّم ـ أحرم ولم يشترط، وقال: (لتأخذوا عني مناسككم)، ولم يأمر بالاشتراط كل أحدٍ أمرًا عامًا، وإنما
أمرَ به ضُباعة بنت الزبير لوجود المرض بها، والخوفِ من عدم إتمام نُسكها.
وينبغي للمُحرم أن يُكثر من التلبية لأنها الشعارُ القولي للنُسك خصوصًا عند تغير الأحوال والأزمان،
مثل أن يعلو مرتفعًا، أو ينزل منخفضًا، أو يُقبل ليلٌ، أو نهار، أو يهمَّ بمحظور أو مُحرَمّ أو نحو ذلك.
ويستمر في التلبية في العمرة من الإحرام إلى أن يشرعَ في الطواف وفي الحج من الإحرام إلى أن
يرمي جمرة العقبة يومَ العيد.
فإذا قَرُب من مكة سُنّ أن يغتسل لدخولها إن تيسر له، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ كان يغتسل
عند دخولها.
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كان النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ إذا دخل مكة دخل من
الثنية العليا التي بالبطحاء، وإذا خرج خرَج من الثَّنيَّةِ السُّفلى) متفق عليه.
فإذا تيسر للحاج الدخول من حيث دخل النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ والخروج من حيث خرج فهو أفضل.
فإذا وصل المسجد الحرامَ قدم رِجْلَه اليمنى لدخوله، وقال: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله،
اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذُ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبُسلطانه القديم من
الشيطان الرجيم.
ويدخل بخشوع وخضوع وتعظيم لله عز وجل، مُستحضرًا بذلك نعمةَ الله عليه بتيسير الوصولِ إلى
بيته الحرام.
ثم يتقدم إلى البيت مُتّجهًا نحوَ الحَجَرِ الأسود ليبتدىء الطوافَ، ولا يقول: نويت الطواف لأنه لم يَرِد عن
النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ .
والنيةُ محلُّها القلبُ.
فيستلم الحجرَ الأسودَ بيده اليمنى ويُقَبّله إن تيسّر له ذلك، يفعلُ ذلك تعظيمًا لله عز وجل، واقتداءً برسول
الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ لا اعتقادًا أنّ الحجرَ ينفعُ أو يُضرُّ، فإنما ذلك لله عز وجل.
وعن أمير المؤمنين عُمر بن الخطاب رضي الله عنه أن كان يُقَبّل الحجَر ويقول: (إني لأعلم أنك حَجَر لا تضُرُّ
ولا تنفعُ، ولولا أني رأيتُ رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ يقبّلك ما قبّلتك) رواه الجماعة.
فإن لم يتيسر له التقبيل، استلمه بيده وقبّلها، ففي (الصحيحين) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه
استلم الحجَرَ بيدهِ ثم قبّل يده، وقال: ما تركتُه منذ رأيتُ النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ يفعله.
فإن لم يتيسر له استلامه بيده فلا يُزاحم، لأن الزحامَ يؤذيه، ويؤذي غيره، وربما حصل به الضرر، ويُذهب
الخشوع، ويَخرج بالطواف عما شرع من أجله من التعبُّد لله، وربما حصل به لغوٌ وجدالٌ، ومقاتلةٌ.
ويكفي أن يُشير إليه بيده ولو من بعيد، وفي ”البخاري” من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ـ
صلى الله عليه وسلّم ـ طاف بالبيت على بعير، كلما أتى على الركن أشار إليه.
كتاب: مناسك الحج والعمرة 6
وفي روايةٍ: أشار إليه بشيء كانَ عنده وكبّر.
ثم يأخذُ ذات اليمين، ويجعلُ البيتَ على يساره، فإذا وصل الركنَ اليماني استلمه إن تيسّر له بدون تقبيلٍ
فإن لم يتيسر له فلا يزاحم.
ولا يستلم من البيت سوى الحجر الأسود والركن اليماني؛ لأنهما كانا على قواعد إبراهيم، ولأن النبي ـ
صلى الله عليه وسلّم ـ لم يستلم سواهما.
وروى الإمام أحمد عن مُجاهد عن ابن عباس أنه طاف مع مُعاوية بالبيت، فجعل مُعاوية يستلم الأركان
كلها، فقال ابن عباس: لِمَ تستلم هذين الركنين ولم يكن رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ يستلمهما؟
فقال معاوية: ليس شيء من البيت مهجورًا. فقال ابن عباس: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)
فقال معاوية: صدقتَ.
ويقول بين الركن اليماني والحجَر الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
[البقرة: 201].
وكلّما مرَّ بالحجر الأسود فعل ما سبق وكبر ويقول في بقية طوافهِ ما أحبّ مِنْ ذكرٍ ودُعاء وقراءةٍ، فإنما
جُعل الطواف بالبيتِ وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامةِ ذكر الله.
والسنةُ للرجل في هذا الطواف ـ أعني الطواف أول ما يَقدِمُ ـ أن يضطبعَ في جميع طوافهِ ويرملَ في
الأشواطِ الثلاثةِ الأولى منه، دون الأربعةِ الباقيةِ.
فأمّا الاضطباع فهو أن يُبرز كتفَه الأيمنَ، فيجعلَ وسطَ ردائهِ تحتَ إبطهِ وطرفيهِ على كتفهِ الأيسر.
وأما الرَّمَلُ فهو: إسراعُ المشي مع مُقاربة الخُطا.
والطواف سبعةُ أشواط، يبتدئ من الحجر الأسود وينتهي به.
ولا يصحُّ الطوافُ من داخل الحِجْرِ.
فإذا أتم سبعةَ أشواط، تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]، ثم صلى ركعتين خلفَه قريبًا
منه إن تيسَّر، وإلا فبعيدًا، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وفي الثانية بعد
الفاتحة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ثم يرجع إلى الحجر الأسود فيستلمه إن تيسر له، وإلا فلا يشير إليه.
ثم يخرج إلى المسعى ليسعى، فإذا دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ
اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158]، ولا يقرؤها في غير
هذا الموضع.
كتاب: مناسك الحج والعمرة 6
ثم يرقى على الصفا حتى يرى الكعبة، فيستقبلها ويرفع يديه فيحمدَ الله ويدعو بما شاء أن يدعو، وكان من
دُعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ هنا: (لا إلـه إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك وله الحمد وهو على كل
شيءٍ قدير، لا إلـه إلا الله وحده أنجزَ وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده)، يُكررّ ذلك ثلاثَ مراتٍ، ويدعو بينها.
ثم ينزلُ من الصفا إلى المروة ماشيًا حتى يصلَ إلى العمود الأخضر؛ فإذا وصَلَه، أسرع إسراعًا شديدًا بِقَدْرِ ما
يستطيع إن تيسر له بلا أذية، حتى يصلَ العمودَ الأخضر الثاني، ثم يمشي على عادته حتى يصلَ المروةَ،
فيرقى عليها ويستقبلَ القِبلةَ، ويرفعَ يديه ويقولَ ما قاله على الصفا.
ثم ينزلُ من المروة إلى الصفا يمشي في موضعِ مشيه، ويُسِرعُ في موضع إسراعه، فيرقى على الصفا،
ويستقبلُ القِبلَة ويرفع يديه ويقولُ مثلَ ما سبق في أول مرة، ويقولُ في بقية سعيه ما أحب من ذكرٍ
وقراءةٍ ودعاء.
والصعود على الصفا والمروة، والسعي الشديد بين العَلَمين، كلها سُنَّةٌ وليست بواجبٍ.
فإذا أتمَّ سعيَه سبعةَ أشواطٍ، من الصفا إلى المروة شوطٌ، ومن المروةِ إلى الصفا شوطٌ آخر، حلق رأسه إن
كان رجلًا أو قصره، والحلقُ أفضلُ إلا أن يكون مُتمتعًا والحجُّ قريب لا يمكن أن ينبتَ شعرُه قبلَه، فالتقصير
أفضل، ليبقى الشعرُ فيحلقَه في الحج، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ أمر أصحابه حين قَدِموا صبيحة
رابعةٍ ذي الحجة أن يتحللوا بالتقصير.
وأما المرأة فتُقَصر رأسها بكل حال، ولا تحلق، فتقصر من كل قَرنٍ أُنملة.
ويجب أن يكونَ الحلقُ شاملًا لجميع الرأس؛ لقولهِ تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ
مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27]، ولأن النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ حلق جميعَ
رأسهِ، وقال: (لتأخذوا عني مناسككم).
وكذلك التقصير يعمُّ به جميع الرأس.
وبهذه الأعمال تمت عمرته وحل منها حِلًا كاملًا، يُبيح له جميعَ محظوراتِ الأحرامِ.
خلاصة أعمال العمرة
1 ـ الاغتسال كما يغتسل للجنابة والتطيب.
2 ـ لبس ثياب الإحرام، إزار ورداء للرجل، وللمرأة ما شاءت من الثياب المباحة.
3 ـ التلبية والاستمرارُ فيها إلى الطواف.
4 ـ الطواف بالبيت سبعة أشواط ابتداءً من الحجرِ الأسود وانتهاءً به.
5 ـ صلاةُ ركعتين خلفَ المقام.
6 ـ السعي بين الصفا والمروةِ سبعةَ أشواطٍ ابتداءً بالصفا وانتهاءً بالمروة.
7 ـ الحلقُ أو التقصيرُ للرجال، والتقصيرُ للنساء.
إرسال تعليقك عن طريق :