طوق النجاة: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
في لحظات الشدة والضيق، يبحث الإنسان عن سبيل للخلاص، عن باب يطرقه وملاذ يلوذ به.
ومن بين أعظم الأدعية التي حملت في طياتها النجاة والأمان، جاء دعاء نبي الله يونس عليه السلام وهو في ظلمات البحر وظلمات بطن الحوت:
“لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”.
هذا الدعاء لم يكن مجرد كلمات؛ بل كان طوق نجاة حمل معاني التوحيد، والتسبيح، والاعتراف بالذنب، فكان له أثر بالغ في نجاة يونس، وها هو اليوم يصبح مفتاح فرَج لكل مكروب.
كان نبي الله يونس عليه السلام قد أُرسل إلى قومه ليدعوهم إلى عبادة الله وحده، فلما أعرضوا عنه، غضب وخرج مغاضبًا دون أن يأذن الله له بذلك، فركب البحر، وكانت العاقبة أن التقمه الحوت.
فجأة، وجد يونس نفسه في ظلمات ثلاث:
ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت. وهناك، لم يجد ملاذًا إلا باب السماء المفتوح بالتسبيح والدعاء.
قال تعالى:
“فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَـٰتِ أَن لَّآ إِلَـٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ”
(الأنبياء: 87)
هذا الجزء يُعبر عن أقصى مراتب التوحيد، فالله هو وحده المستحق للعبادة والرجاء والدعاء، لا يملك أحد الضر أو النفع إلا هو. حين نردد هذا الذكر، نحن نقر أن لا مخرج لنا إلا بالله.
في هذا اللفظ، نُنزه الله عن الظلم والنقص والعجز، ونُعلن أن كل ما أصابنا هو من أنفسنا، وليس من تقصير في عدله سبحانه.
الاعتراف بالذنب هو الخطوة الأولى نحو التوبة والرجوع إلى الله. يونس عليه السلام لم يُبرر خطأه، بل اعترف به، فكان الاعتراف مفتاح الفرج.
لم يكن هذا الدعاء طوق نجاة ليونس وحده، بل جعله الله سببًا في استجابة دعاء كل من دعا به:
قال رسول الله ﷺ:
“دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له”
(رواه الترمذي وصححه الألباني)
هذا الذكر القصير العظيم يحتوي على أفضل معاني التوحيد والعبودية والتوبة، وهو ما يجعل له هذا التأثير القوي في السماء والأرض، فكم من مكروب فرّج الله همه، وكم من مريض شفاه، وكم من مهموم سُرِّي عنه بهذا الذكر المبارك.
اجعل هذا الذكر أول ما يخرج من قلبك ولسانك إذا ضاق بك الحال، فكما نفع يونس، سينفعك بإذن الله.
لا تنتظر المصائب حتى تتذكره، بل اجعل لسانك رطبًا بذكر الله، فهو حصنٌ للمؤمن في كل حال.
إذا شعرت بأنك قد أخطأت أو قصّرت، فلا تتردد في تكرار هذا الذكر، ففيه اعتراف واستغفار وتمجيد.
دعاء يونس عليه السلام هو أكثر من مجرد كلمات، إنه رمز النجاة والأمل، وهو دعوة صريحة لكل من أثقلته هموم الحياة أن يعود إلى الله، ويناجيه بنفس التسبيح الذي نجا به نبيه.
في زمن تمتلئ فيه القلوب بالقلق والاضطراب، تبقى “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين” طوق النجاة الحقيقي، كلمات قليلة ولكنها تهز عرش السماء رحمةً ولطفًا.
02
03
04
05
06
07
08
09
إرسال تعليقك عن طريق :