وقت ارسال سورة الفاتحة
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7))
وقت ارسال سورة الفاتحة
وقت ارسال سورة الفاتحة ، سورة الفاتحة هي أوّل سورة في الترتيب لسور كتاب الله الخاتم،
ولها عدّة أسماءٍ، وتتميز بالكثير من الفضائل التي اختصّها الله سبحانه وتعالى بها عن كافة سور
القرآن، فقد اختلف العلماء في تحديد وقتٍ دقيقٍ لهبوط سورة الفاتحة؛ فقيل إنّها ارسلت
في مكّة، وقيل في المدينة المنورة، وقيل ارسلت مرّتين مرّة في مكّة ومرة في المدينة؛
ولذلك سمّيت سورة المثاني، غير أنّ أرجح الأقوال أنّها سورة مكّيّة، والإثباتّليل على هذا أنّ
آية وردت في سورة الحجر هي : «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ»،
والمقصود بالسّبع المثاني سورة الفاتحة، وسورة الحجر سورةٌ مكيّة بلا تشكيك؛ فاستدلّ
بهذا إلى أنّ سورة الفاتحة سورةٌ مكيّةٌ.
توضيح مفهوم سورة الفاتحة
وقد اختلف العلماء في تلك السّورة هل هي مكيّة أم مدنيّة؛ فمن أفاد بأنّها مكيّة استدلَّ
بما حصل مع النّبي عليه الصّلاة والسّلام إذ إنَّ رسول الله عليه الصّلاة والسّلام
بعدما شكا إلى خديجة ما يجده لدى أوائل الوحي، فذهبت به إلى ورقة
فأخبره، فقال له: إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي: يا محمد يا محمد يا محمد! فأنطلق
طريدًا في الأرض، فقال: لا تفعل! إذا أتاك فاثبت على أن تسمع ما يقول، ثم ائتني فأخبرني.
فلما خلا ناداه يا محمد، قل: بسم الله الرّحمن الرّحيم، إلى أن وصل ولا الضالّين).
أفاد تعالى: (بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ) يُعرف بالبسملة إلتماس البركة والمساندة من الله
عزّ وجلّ وحده، فحرف الباء يفيد الإنفراد، أي أنّ لا سند إلّا بالله.
(الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
أفاد تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، والحمد هو المدح والإمتنان لقدرات المحمود،
مع قبول الفؤاد والإستحسان، فالشكر لا يكون إلّا على النعم أمّا الشكر فيكون على
النعم وغيرها، مثل العرفان على الابتلاءات والأوبئة والأمراض، والرب خاصيةٌ مشبهةٌ
للموصوف، فالله هو المربي، والمالك، والخالق، ومصلح الأمور، ومتمّمها، والمنعم
على عباده، وهو السيد المعبود المُطاع، والعالمين اسمٌ يدلّ على كلّ ما إلا الله
تعالى، بدليل تصريحه تعالى: (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ*قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ).
صرح تعالى: (الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ)، وهما جزء لا يتجزأ من الرحمة، فالرحمن سمةٌ على
وزن فَعْلَانْ، وهي صيغة تفخيم، أي أنّ الله تعالى هائل الرحمة، أمّا الرحيم فعلى
وزن فعيل، وتستعمل للصفات المستدامة، أي أنّ الله تعالى هائلٌ في رحمته المستدامة
على البشرية.
صرح تعالى: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، أي أنّ الله سبحانه الواحد الأحد المتصرف بيوم القيامة
والحساب، وهو وحده المالك للملك فلا واحد غيره يملك شيئًا سواه.
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)
أفاد تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، فالعبادة محسومة وخاضعة لله، ويُغاية بها
كلّ ما يحبّه الله من الافعال والأقوال الظاهرة والباطنة، وهي إجراء العابد بتذلّلٍ وخضوعٍ
وامتثالٍ للأوامر والنواهي، مع تعظيم المعبود ومحبته، ولا تصحّ إلّا لله -عزّ وجلّ-،
والعبادة مصحوبة ومجتمعة مع الاستعانة بالله فحسب، لأنّ تسهيل الأشياء بيده،
والإستسلام التام لمشيئته.
صرح تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، دعوة المؤمن من ربه أن يوجهه على الطريق المقرب
إليه، ومن ثم تتحقّق الهداية التي تعدّ المكافأة الناتجة عن الاعتقاد السليم، ممّا يتسبب في
السرور في الحياة ويوم القيامة.
(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)
أفاد تعالى: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)، أوضح الله سبحانه وتعالى
العباد الذين أنعم عليهم؛ وهم أهل الصراط المستقيم مَن علموا الحق وعملوا به، وورد ذكرهم
في مكانٍ مختلفٍ في كتاب الله الخاتم، أفاد تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ
اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا)، فالرسل والأنبياء
في الطبقة الأولى للمُنعم عليهم، والصديقون في الطبقة الثانية، وهم الذين وصلوا في الصدق
مع الله ومع العباد درجاتٍ عاليةٍ، ثمّ الشهداء من العلماء والمقاتلين في طريق الله في الطبقة
الآتية، ثمّ الصالحون في ظاهرهم وباطنهم، فالعبد يسأل الله أن يكون من المنعم عليهم،
وليس ممّن حنق عليهم الذين علموا الطريق السليم إلا أنّهم خالفوه، ولا من الضالين الذين
يعبدون الله تعالى بهواهم وبعيدين كل البعد عن طريق وسبيل الحق.
إرسال تعليقك عن طريق :