غزوة مؤته أحد غزوات الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام
عرفت الأواصر بين المسلمين والروم بالتوتّر ، ولقد دأبت الروم ومن والاها من العرب على مضايقة المسلمين
واستفزازهم بجميع الأساليب ، وقد كان من أظهرها التجارب المتكرّرة للتعرّض لتجارة المسلمين المقبلة من الشام ،
والقيام بالسلب والنهب للقوافل التي تتخطىّ بطريقهم ، ناهيك ما فعلوه وّا مارسوه من ضغوطاتٍ ومضايقاتٍ طالت كل
مسلم سقط أسفل أيديهم .
غزوة مؤته أحد غزوات الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام
ووصل الأذى قمته حين أرسل النبي صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمير الأزدي رسولاً إلى ملك بصرى من
أرض الشام يدعوه إلى الإسلام ، فما كان من ملك بصرى شرحبيل بن عمرو الغساني لكن قتل رسول رسول الله
عليه الصلاة والسلام ، فاشتدّ ذاك على النبي صلى الله عليه وسلم ؛ حيث كان ذلك هو أول رسولٍ له يُقتل على
نقيض ما جرت العادة من إكرام الرسل وعدم التعرّض لهم .
محاربة أفعال الروم الهمجية
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للخروج ومحاربة الروم حتى يقيم حداً لتلك التصرّفات الهمجية ولأجل تأديبهم
، وعاجلا ما اجتمع لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة آلاف مقاتل ، فعقد الراية لـ 3 من بينهم وجعل إمرتهم بالتناوب
، فقال عليه الصلاة والسلام : ( إن أصيب زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة )
رواه البخاري ومسلم ، فتجهّز الناس وخرجوا ، وقد كان ذاك الجمعة من السنة الثامنة للهجرة النبوية ، فلما ودّع الناس
أمراء النبي صلى الله عليه وسلم ، وسلّموا عليهم ، إنتحب عبد الله بن رواحة فقالوا : ما يبكيك يا ابن رواحة فقال :
” أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ، ولكني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر
فيها النار : { وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا }
ووصى النبي عليه الصلاة والسلام صحابته قائلاً : ( اغزوا باسم الله وفي سبيل الله ، وقاتلوا من كفر بالله .
اغزوا ولا تغدروا ، ولا تغلوا ولا تمثّلوا ، ولا تقتلوا وليدا ولا أصحاب الصوامع ) رواه أحمد وغيره من أصحاب السنن .
نزول المسلمين أرض بالشام
وإستمروا المسلمون حتى نزلوا معانا – اسم قرية – من أرض الشام ، فبلغهم أن هرقل قد إنخفض مآب من أرض البلقاء
في 100 1000 من الروم ، وانضم إليه 100 1000 أخرى من القبائل العربية التابعة له كلخم ، وجذام ، وبلقين ،
وبهراء ، فاجتمع لهرقل مائتي 1000 مقاتل ، فعقد المسلمون مجلسا للتشاور ، فقال بعضهم : نكتب للنبي
عليه الصلاة والسلام نخبره بعدد عدونا ، فإما أن يمدنا بالرجال ، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له ، وصرح آخرون :
قد وطئتَ البلاد وأخفتَ أهلها ، فانصرف ؛ فإنه لا يعدلُ العافية شيء . و عبد الله بن رواحة رضي الله سبحانه وتعالى عنه ساكت
، فسأله زيد عن رأيه فقال : يا أناس والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم له تطلبون الشهادة ، ما نقاتل الناس بعدد
، ولا غفيرة ، ولا كثرة ، ما نقاتلهم سوى بذلك الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي واحدة من الحسنيين ، إما ظهور
، وإما شهادة ، فقال الناس : صدق والله ابن رواحة ، فمضوا حتى لو قاربوا البلقاء مكان بالشام ، لقيتهم
جموع هرقل من الروم والعرب في قرية يقال لها مشارف ، فدنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها : مؤتة
ويشار إليها باسم اليوم بالكرك ، فالتقى الناس تملك ، فتجهز المسلمون وجعلوا على ميمنة القوات المسلحة قطبة بن قتادة رجل
من بني عذرة ، وعلى الميسرة أنصاريٌّ يقال له عبادة بن مالك .
لحظة إشتباك الجيشان
والتحم الجيشان وحمي الوطيس ، واقتتلوا قتالا قاسياً ، وقتل أول رؤساء المسلمين زيد بن حارثة رضي الله سبحانه وتعالى عنه ، مقبلاً غير مدبر
وبعد أن استلم الإمرة خالد أراد أن ينقذ القوات المسلحة الإسلامي بأسلوب تحفظ له كيانه وتبقي هيبته ، وقدّر أن الحل يكمن
بالانسحاب عقب إرهاب العدوّ وإيهامه بوصول إمدادات حديثة ، فصمد حتى الليل واستغلّ الظلام ليغيّر مراكز
المقاتلين ، وحوَّل الميسرة ميمنة ، والميمنة سهلة ، والمؤخرة جانب أمامي والضد ، وطلب من خيّالة المسلمين اصطناع
غبارٍ وجلبة ذو بأسّة ، فظن الروم أن المسلمين جاءهم سند وعون ، فخارت عزائمهم ، واشتدّ عليهم المسلمون حتى يقول خالد
رضي الله سبحانه وتعالى عنه : لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما إنتظر واستمر في يدي سوى صفيحة يمانية ، ومن ثم نجح خالد
في الرجوع بالجيش إلى المدينة بأصغرّ فقدان ممكنة ، وقُتل من الروم خلقٌ عديد لا يُعرف عددهم وقد كان في ذاك نصرٌ
هائل للإسلام والمسلمين .
ولما بلغ خالد إلى المدينة ، إتخاذ قليل من المسلمين في لوم من ولى دبرهّ في مستهل الموقعة ، فخشي أولئك من حنق الله ورسوله حتى همّوا أن يركبوالبحر.
ومن ثم أفادوا : لو عرضنا أنفسنا على رسول الله ، فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا ، فأتوهقبل طلوع وصلاة الفجر فخرج
فقال : (من الأناس ) ؟ فقالوا : نحن الفرارون فقال : (لا ، بل أنتم الكرارون ، أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين )
فأتوه وقبلوا يده الشريفة .
غزوة مؤتة وماتحمله من دروس عظيمه
تلك هي غزوة مؤتة تكاد تتفجر عظة ودروس قيمة، فما إن يقرأ القارئ تلك الوقائع سوى ويجد الإعجاب قد ربط لسانه ، فأي بشر
هؤلاء ، يقفون بجيش قوامه ثلاثة آلاف مقاتل في مواجهة قوات مسلحة عظيمة قوامه مائتي 1000 مقاتل ، إن تصورا سريعا للقوتين ليعطي
نتائج حاسمة بانتصار مجموعة المجاهدين الضخمة على القوات المسلحة المقابل ، ومع ذاك يتقدم المسلمون على قلة عددهم ، وضعف عُدَدَهِم –
أدت هذه المعركة – ليضربوا أعظم صور التضحية والفداء ، وهذا ولينتصروا على ذاك العدو ، في أعظم مهزلة يتعرض لها قيادات
الإمبراطورية الرومانية ، إن غزوة مؤتة بجميع المعايير العسكرية معجزة من المعجزات ، وكرامة من الكرامات ، لقد وضعت
حرب مؤتة القاعدة العسكرية الإسلامية في مقابلة العدو ، فنحن لا نقاتل بعدد ولا غفيرة غير أن نقاتل بذاك الدين ، فإذا تمحض
قتالنا نصرة لدين الله ، وقمنا – ما استطعنا – بما أوجبه الله علينا من الإنتهاج بالأسباب الظاهرة ، كان النصر حليفنا بإذن الله .
إن ما يتلذذ به المسلم من حب البذل والتضحية بالنفس والمال في طريق ذاك الدين نابع من إيمانه بالله ويقينه بما يملك ،
فهل تُحيا في الأمة تلك البسالة ، وهل نستخلص من غزوة مؤتة – خاصة – وتاريخ المسلمين الجهادي – عامة – دروسا تغرس
التضحية والفداء في قلوب فتيانه حتى يرجع للأمة أسبق مجدها وغابر عزها .
إرسال تعليقك عن طريق :